لا الذين يحملون الأمانة.. أمانة النسغ لشجرة الحياة.
والصورة الشائعة والذائعة على مر العصور هي أن الأم رمز العطاء .. والرسالة الموجهة من السماء من خلال شرائع السماء.. وما من ديانة قدست الأم كالمسيحية في تقديس السيدة العذراء.. وما من رسالة سماوية أوصت بقضاء من الله في طاعة الأمهات كالديانة الإسلامية.. فماذا نقول أمام التعصب الاستعماري والآخر الصهيوني في سفك دماء الأمهات في الأرض العربية .. ولذع الأفئدة بقتل الأبناء والحفدة?.. ماذا نقول في زمن أصبح القتل فيه شريعة مما حمل من وسائل العنف ومن وسائل المكر والخديعة? وفي وقت تمتد دموعنا وأيدينا وقلوبنا لتبارك كل الأمهات لما يقدمن من تضحيات.
وفي عيد الأم لا تغيب عن ذاكرتنا صور الأم الفلسطينية.. والأخرى العراقية.. وغيرها وهي تغرق في سواد الحداد.. في القدس وغزة والضفة الغربية وبغداد .. ولا تغيب عنا تلك الصور فيصبح عيد الأم مصبوغا بالحزن والدم.
وفي هذا الوقت أيضا نتذكر أنه كما للأم الأرض رحمة ونعمة فإن لها لعنة ونقمة فيما لو امتهنت وأخضعت وسلبت كرامتها في حريتها فكيف لا تفعل الآن والدماء تسيل فيها انهارا جهارا نهارا وتتساقط قامات الرجال كجذوع النخيل وتتفجر النيران وهي تحصد أرواح الأطفال وكبرياء الرجال?
فهل لدينا في يوم عيد الأم عيد فعلي للأم تنسى فيه أثقال الحمل وأوجاع الولادة.. وكل ما قدمته لأبنائها في الرعاية والحماية?.. أقول لن يكون للأم عيد فعلي ما لم تظل ذاكرتها متوهجة وما لم تظل مشاعرها متأججة وما لم تظل ترضع أولادها حب الأوطان في أسوأ الأزمان وما لم تظل تنسج من خيوط التضحيات أثوابا من العزة والكبرياء يتوارثها الأبناء عن الآباء يرتدونها دروعا واقية من هجمات ظالمة لا تستهدف فقط البشر بل الشجر والحجر وكل شبر من تراب دون أي إحساس بإثم أو عقاب..
لا عيد في عيد الأم سوى عيد الأرض الأم وبينما يهتز آذار بأزهاره وأنواره وبينما تغص الأمهات بفرح هو كالبكاء فإن كل هدية تقدم لأم عربية لن يكون لها مغزى أو معنى اذا لم تحمل شعارات الأرض الأم ... ورموزها.. سائر رموزها على مر تاريخها وهو الانتماء.. وما بعده أو قبله أي انتماء.
امهات ثكالى.. وغيرهن حزانى.. وأمهات يناضلن .. وغيرهن يدفعن الأثمان من طمأنينة الحياة بل من الحرمان من الحياة.. أمهات هن الحقيقيات وهن الأصيلات وهن الباقيات في ذاكرة الأيام على الدوام.